لجان التنورة

 

 

 

 

 

قواعد العشق الأربعون، للمؤلفة التركية إليف شافاق، الكتاب الذي ذكرناه في مقالتنا السابقة، فتح لي باب تأمل أخذ بعداً آخر. فمن هذا الكتاب علمت، ولأول مرة، قصة ومصدر رقصة الدراويش، التي تسمى في مصر بالتنورة، ومصدرها مدينة قونية في تركيا، من قبل الشيخ المتعبد جلال الدين الرومي، قبل تقمصه لفكر صوفي مستورد من فارس. طبعاً، هذا كما جاء في كتاب المؤلفة، والعهدة على الراوي كما يقال، وذلك من دون بحث وتحقق من قبلنا، فمحد يلومني على أي أخطاء تاريخية، فكلامنا مبني على ما ورد في هذا الكتاب.

والمهم، هذا الشيخ تحوّل إلى شاعر، جل قصائده في مديح صديق درب الصوفية والدروشة شمس الدين التبريزي، الذي استطاع بقدرة قادر أن يحوّر فهم حب الله والعبادة في عقله إلى فكر عجيب وغريب. وبعد خلوة استدامت شهوراً اخترع، بل ابتدع كلاهما رقصة أسمياها سما وصمّما لها الملابس والحركات والإيقاعات وجعلاها آلية للوصول إلى الكمال، ومن ثم الوصول إلى رضا الله والاتحاد كما هو بفكرهما والعياذ بالله. وبعيداً عن هدف الكاتبة من روايتها، فإن تلك الرقصة انتشرت كالنار في الهشيم في العالم الإسلامي في ذاك الوقت، وهي تمثل نوعاً من الذكر عند متبعي طريقتهما يتجسد بالدوران حول النفس، والتأمل الذي يقوم به الدراويش. وأغلب ممارسي هذه الطقوس يهدفون إلى كبح شهوات النفس والرغبات الشخصية عبر الاستماع إلى الموسيقى، والتفكر في الله والدوران حول النفس.. كلام ما له أول ولا آخر.. ولكن الحقيقة هي في اختزال العمل سواء بالعبادة أو بالرزق، بحركات تفر الرأس، وتغني الإنسان عن دافع العمل والكد والصبر، وتعطيه الاكتفاء الذاتي، مما من شأنه قتل النزعة التي تدفع به إلى العلياء سواء في الدنيا أو الآخرة، ويرضى بالدوران والشحاته وسؤال الناس. وهنا تنهار الأمم وتضعف الدول، وتصبح فريسة للطامعين. والمضحك أن هذا الفكر أحياناً يتجسد في نظام العمل الإداري المتبع في الوزارات، فنجد الدورات المستندية في أي وزارة تجعل المواطن والموظف يدوران في آن واحد في فلك الضياع، ونجد محاولات أصحاب القرار لإيقاف ذاك الدوران باللجوء إلى الطريق الأقصر، ألا وهو تشكيل اللجان بأعضاء لا قرار لهم. فكل لجنة يحكمها رئيسها، فإن أجاد نفعت، وإلا دارت على نفسها كما يدور دراويش الرومي، وفي النهاية يعود كلٌّ إلى بيته مع ما حصل عليه من بدلات بكل رضا، ولكن من دون حلول، فتضيع حقوق الناس وتمضي السنون، والكل ينتظر دراويش القرن الحادي والعشرين يتخلصون من تنورتهم.

ونظل ننعم بحديقة المناديب.. موضوع مقالنا القادم.

 

 

عدنان عبدالله العثمان

 

المصدر: جريدة القبس ١٦ يونيو ٢٠١٥ ( الرابط الالكتروني )

 

لجان التنورة Pdf