حديقة المناديب

 

 

 

 

 

من بين المظاهر الحضارية في الكويت مثل الأبراج وحديقة الشهيد الجميلة نجد حديقة المناديب. وتقع هذه الحديقة في حولي شارع تونس بموقع روضة حولي قبل أن تتحول إلى فرع في وزارة الشؤون وتفوح منها روائح جهد وعرق جيش من المناديب.

والمندوب وظيفة استحدثت لتوفير جهد ووقت أصحاب الشركات، فأصبح المندوب العنصر الأهم في أي شركة، وما يستطيع عمله المندوب يعجز عنه صاحب العمل مع كثرة تعقيدات المعاملات وطلبات مؤسسات الدولة اللي ما لها أول ولا آخر. وأذكر أن كانت لي معامله قبل الغزو ورحت للمدير والوكيل وما بقي إلا الوزير، والكل يقول ما يصير.. هذا قانون، ولكن زينهم المندوب يعرف القانون أحسن مني، وقال لي المعاملة خالصة، وفعلاً بعد يوم، المعاملة وصلتني خالصة وموقّعة من المدير والوكيل المساعد اللي أنا شخصياً رحت لهما وقالا ما يصير. فقلت شلون خلصتها؟! قال لي خلصها فرّاش المدير البنغالي «عاش فراش المدير». ولأن وزارة الشؤون أدركت أهمية المناديب غيّرت اللوائح، بحيث كل شركة لازم لها مندوب، ثلاثة تراخيص والمالك واحد ومندوب واحد يكفي، ليش ثلاثة مناديب؟! لا ولازم المندوب تعليمه «عالي»، فكأن المندوب يخلص المعاملات في هيئة الأمم المتحدة. والحين طالعين بلوائح جديدة أن المندوب فقط للشركات اللي عدد موظفيها 25. ومن عنده خمس شركات، وفي حاجة مندوب واحد لشركاته، ما العمل حينها؟ إحدى الوزارات أعلنت عن خدمة اليوم الواحد وحددت أياماً للمناديب وأياماً لأصحاب الأعمال، والخميس راحة. زينهم مندوبي في المستشفى، فتوجهت إلى الوزارة من الصبح حسب طلبهم، وانتظرت عند الشباك. صاحبنا أخذ أوراقي وتركهم على جنب واختفى، ورجع بعد وقت وزيت الفول على دشداشته، أخذ أوراقي وناولها الموظفة إلى جانبه، فقلت لها شايفتني واقف والمعاملة عندك ليش ما أخذتيها! قالت: لازم هو يعطيني إياها ونظرت في المعاملة، وقالت ما يصير روح حق رئيس القسم. توجّهت لرئيس القسم بمكتبه الزجاجي وعنده ثلاثة من «ربعه» على قهوة وتمر وضحك وسكرتيرته غير موجودة. وبعد وقت دخلت عليه الغرفة، ومن دون احترام - ليس فقط لكوني مواطناً، بل لكوني في عمر والده - قال لي: انتظر بالخارج لما أفتح الباب. وبعد نصف ساعة طلع «ربعه» وأدخلنا، وقال لي: بمشي المعاملة بس المرة الجاية لا تدخل من دون استئذان. تكرّم علينا صاحب الأخلاق العالية. طبعاً كان ودّي أرد، ولكن قرار وزارة العدل المعلّق على بابه يهدد المراجعين بأن الاعتداء على الموظف بالكلام أو الفعل جريمة يعاقب عليها القانون. فبلعت الحرّة، وقلت: «الله يرحم والديك يا زينهم ويردك بالسلامة، والله مريحني من تلك الأشكال».

وعاشت حديقة المناديب!

 

عدنان عبدالله العثمان

 المصدر: جريدة القبس ٩ يوليو ٢٠١٥ ( الرابط الالكتروني ) 

حديقة المناديب Pdf

 

 


عدد الزائرين:

299 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr