عصير المانجا «قها»، ومَن من جيلنا لا يعرفه. فمنذ أيام الطفولة وأنا مشغف بتلك العبوة من المانجا المركزة اللي كلها سكر وعمات عين ولكنها لذيذة. ودايماً كنت أقرأ على العلبة «الوكيل جاسم الوزان وخالد المطوع». وطبعاً لم أتخيل حينها أن كلا الرجلين سيكون لهما الأثر الكبير على مسيرتي المهنية. فالمرحوم جاسم الوزان، والذي عرفته صغيراً من خلال تلك العبوة اللذيذة، عرفته أيضاً عضواً بمجلس إدارة المصرف الذي عملت به لأكثر من عشرين عاماً، وشاء القدر أن نلتقي لدى حضوري الأول للجنة الائتمان. ورغم رهبة المرة الأولى، فإن ذلك لم يمنع ابتسامتي العريضة وأنا أنظر إليه، والتي لم يستوعبها الحضور، ولكن وجود بوخالد أمامي أخذني لذكريات الطفولة وشعرت بالظمأ لعبوة «قها» وقلت في نفسي «يا لها من عبوة»، خالد المطوع يقنعني بالعمل في البنك، وها هو جاسم الوزان يجلس أمامي، وهذا ما أضحكني. وقد أدار المرحوم بذكائه المعهود دفة الحديث بكل جدارة فسألني عن اسمي، وأثنى على والدي رحمه الله، فأشعرني براحة واطمئنان. وبالتحاق ابنه للعمل معنا في المصرف توطّدت العلاقة أكثر ودعاني بوخالد إلى حضور ديوانيته في المنصورية، بل أصبح يصرّ على حضوري، وهناك تعرّفت على عائلة كريمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ومع أني بعمر ابنه، إلا أنه وإن تغيبت لأكثر من أسبوع عن حضوري ديوانه يتصل ويسأل عن السبب. وأذكر أني في إحدى المرات لم أجد سبباً أتذرع به عن عدم الحضور سوى إلقاء الذنب على ابنه بوجاسم، ولم أتوقع أن يأخذ الأمر على محمل الجد، إذ اتصل عليّ بوجاسم غاضباً لما حصل له من أبيه من توبيخ لذنب لم يقترفه. وقد كنت كثير الشكوى والتذمر من تصرفات مديرنا المباشر في البنك ووصل تذمري لمسامعه فوجدته يقف أمام مكتبي وبيده أوراق وميزانيات، وقال لي: من مثلك لا يصلح له وظيفة وإمكاناتك أكبر من أن تضيّع عمرك بوظيفة لا طائل منها، فأجبته: والحل؟ قال: تلك أوراق إحدى شركاتي التي تحتاج إلى التطوير وأعرض عليك الشراكة. وللأسف تدخل أحد الزملاء الحسّاد وأضاع عليّ فرصة لا تعوّض للعمل بل التعلم من تلك المدرسة - مدرسة بوخالد - والذي رحل مبكراً، تاركاً أثراً لا يُنسى. فهو ظاهرة إنسانية نادرة، وللأسف لم يدون التاريخ إرثه الحقيقي والذي هو ليس بتجارة أو مال بل أخلاق وكرم وقلب كبير ووسطية ونظرة ثاقبة، فهو من عرف الرجال وربى الأجيال. وإلى الآن كلما جمعني الزمان مع ابنه بوجاسم أقول له «رحمة الله على أبوك، ترى هو صديقي مو إنت».
رحمك الله بوخالد
فأنت رجلٌ والرجال قليل.
عدنان عبدالله العثمان
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.