لكَوْني من مُلتزمي الرياضة بحكم السّن وآلام الظهر ومراقبة الوزن، فقد كان لزاماً عليّ، حبّيت أو ما حبّيت، أن التزم ببرنامج رياضي. وأحياناً تكون الرياضة الرتيبة مملة إذا كانت على جهاز المشي أو الكروس فت، مما يعطيك مجالاً لأحلام اليقظة والتأمل، خصوصاً مع كون جهاز المشي يقابله حوض السباحة في ذاك الأوتيل المقابل لجون الكويت، الذي يؤمه كثير من الخليجيين، وكذلك الأجانب في العطل والأعياد. وفي ذلك اليوم ذي الشمس المحرقة بدرجة حرارة جاوزت الخمسين كان الحوض ممتلئاً بالكبير والصغير، خصوصاً لكونه صادف عطلة رسمية، إذ في العادة المكان «فاضي». ومن دون شعور أوقفت الزمن والتقطت صورة بذاكرتي لما كان يدور في تلك اللحظة. أمامي أطفال أجانب يلهون مع ذويهم، وفي زاوية مجموعة من الشباب من الجنسين مستمتعون بالسباحة ولهو وضحك المراهقة وشكلهم عرب. وفي تلك الزاوية شباب شكلهم من ربعنا سيجارة في الماء وضحك بصوت عال ومغازل مع البنات اللي معاهم. وهناك خليجي مع زوجته المحجبة شكلهم معاريس هو قاعد يسبح مستانس والمسكينة تطالعه. وفي فلبينية وهندية قاعدين عند المسبح يجابلون عيال المعزبة. وبتلك الزاوية خارج المسبح ثلاثة شباب كويتيين من جماعة كمال الأجسام، الزيت يغمر أجسامهم تحت الشمس التي تعكس أشعتها الحارقة على أجسادهم ويحركون عضلاتهم شمالا ويمينا، ولا أدري لمن؟! بس الظاهر عندهم نوع من عشق النفس، وكأنهم زهره عباد الشمس. وكمّل المشهد أربع منقبات جالسات مقابل المسبح بيد كل واحدة إما آيباد أو آيفون تاخذ «سيلفي». وفجأة ارتفع الصوت بدخول خليجي مع أبنائه الخمسة وصاحبنا ملتح ولابس مايوها إسلاميا، وأعتقد عياله لابسين مكسر وفانيلة أم علاق، ونزلوا الماي وخذ الصيحة. خليط من البشر والديانات والمذاهب والأفكار ومن التصرفات المتناقضة التي تعكس عينة هي ليست من المجتمع الكويتي فحسب، بل عينة من العالم. الجميع في حوضٍ واحد لا تزيد مساحته على خمسمئة متر مربع، ولاحظوا أن الكل قد أتى بملء إرادته وبمزاجه ودفع فلوسا أيضاً، ولم ينتقد أحدهم الآخر: لا المنقبات اعترضن على السابحات السافرات، ولا الأخريات رمقن المنقبات بالنظرات، والزقرتية اللي بالزاوية طايحين سجاير ومغازل، والمُلا مع أولاده ضحك ولعب ولم يتوجه للشباب وينهرهم عن المغازل والسجاير، ولا المحجبة طلّعت زوجها من الحوض، وقالت له بسك خز تراني شايفتك. صورة عجيبة! سلام وتعايش غريب بهذا الحوض، فلا ذئب ولا حمل. وانتبهت للوقت فوجدته قد مضى، وحتى اليوم لم تفارق مخيلتي تلك الصورة. وسؤال أود أن أشرك به القارئ الكريم: ما الذي جعل الناس يتعايشون بذلك الحوض ويتقاتلون خارجه؟