قلق وطن

 

 

 

 

مساء كل يوم ثلاثاء، أسعد بزيارة ديوانية العسعوسي في النزهة، وهي ديوانية لطيفة جداً، بل هي منتدى ثقافي أكثر منها ديوانية تقليدية. فهناك تسمع ما هو مفيد، وتقابل خيرة أهل الكويت، تمتزج أحاديثهم بالثقافة والضحكة والحكمة والسياسة. وتجمعني مع بوخليفة وأشقائه قرابة عائلية، فعمتهم رحمها الله هي زوجة عمي عبدالعزيز رحمه الله. ولدى حضوري الديوانية، بعد نشر مقالي عين النقرور، توجه إلي البعض ليثني على المقال، ودارت أحاديث جانبية مع هذا وذاك. والغريب في تلك المقالة انتشارها الكبير غير المتوقع، وتداولها على الواتس اب وتويتر. كنت فعلاً قد استغربت انتشارها السريع، وهنا بدأت أتساءل وأحلل وجهات النظر وإجابات كل من سألني أو تواصل معي بخصوصها، وذلك من كل أطياف المجتمع وتوجهاته السياسية والمذهبية، من تاجر وموظف وقاض وقيادي. وما أجمع عليه الكل من تلك العينة من المجتمع هو مدى الحب والتعلق بهذا البلد، وختام الجميع حديثهم بان يحفظ الله الكويت ويحفظ حكامنا ولا يغير علينا. ما أدركته أن تلك المقالة قد ضربت الوتر الحساس لدى الكويتيين، فلا يمكن لأي أجنبي أن يعشق الكويت أكثر من أبنائها. فجاءت ردود الفعل على المقال استقراءً بسيطاً ليس مخططاً له، لكن يستحق الوقوف عنده. فأهم هاجس لدى أهل الكويت هو المستقبل، وبالذات القريب منه. فها هو النفط يهوي وليس معروفاً ــ لدى العامة على الأقل ــ توجه الدولة في سياستها المستقبلية: هل ستلغي الدعم أم تفرض الضرائب أم تقترض؟ وما المصير الذي ستؤول إليه استثماراتنا الخارجية؟ وهل ستقوم بتخفيض قيمة الدينار مقابل العملات الأجنبية وبشكل تدريجي، بحيث لا يحس بوطأته السياسية المواطن البسيط، لكن سيشعر بوطأته المالية حتماً على جيوبه، خصوصاً أنَّ الدولة تستورد كل احتياجاتها من الخارج، وستضرب أيضاً تحويلات الأجانب العاملين في الكويت. كل هذا يتداوله الناس مع غياب إعلامٍ حكومي. 

يا جماعة الحكومة! ما فيكم أحد يكلمنا، يطلع في التلفزيون والراديو، يخاطب المجتمع بشكل دوري، لا بل بشكل أسبوعي. يا جماعة.. الناس عندهم قلق، والقلق واضح على الجميع. الكل خايف على هذا الوطن، ولكن عدم وجود التطمين المهني المبرمج من قبل الحكومة دفع بالمواطنين الى أن يستقوا أخبارهم من الواتس اب وتويتر، اللذين من خلالهما ربما تضخم الأمور وتستشري الاشاعات بشكل غير منطقي، يجعل المواطنين يتدافعون إلى شراء الشقق في الخارج، ومن لا يستطع، فشراء الذهب بديلا. 

يا جماعة.. القلق والتشاؤم غير المبررين دخلا أيضاً نفوس القياديين في هذا البلد، وكل هذا ناتج عن عدم تواصل الحكومة مع مواطنيها بشكل أسبوعي، يكون بمنزلة جلسة علاج نفسي للوطن الذي مزقه القلق.

وكل عام وأنتم والوطن بألف خير.

 

عدنان عبدالله العثمان

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

المصدر: جريدة القبس ٢٣ سبتمبر ٢٠١٥ ( الرابط الالكتروني )

قلق وطن Pdf

عدد الزائرين:

452 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr