عقاري واحد 

 

 

 

 

نصائح أقدمها لأهل الكويت ونحن مقبلون على تصحيح عقاري، فكما يقال التاريخ يعيد نفسه، وان شاء الله الكل دربه أخضر. وأجيبها لكم من الأول، فقد تكونت ثروات جُلّ كبير من أهل الكويت من خلال الاستثمار العقاري، وقد حافظ العقار على المستوى المعيشي لكثير من العائلات الكويتية. فبالرغم من صعوبة تقسيم العقار كتركة بين الورثة، لكن وبنهاية المطاف تبقى له قيمة حقيقية تدخل جيوبهم «والذكي فيهم من يشتري عقار ويخليه لعياله مثلما أبوه ترك له عقار له ولاخوانه». والعائد على العقار ليس بالعالي، فتاريخياً معدل العائد %10. شخصياً، وبحكم موقعي المصرفي، شهدت نسبا متفاوتة. وأذكر خلال عز سوق المناخ وشيكات الأجل التي تعطي %200 عائدا على أسهم ورقية، أن زارني بو داود، وكان يومها من المضاربين بسوق الأسهم وكان صغيراً في السن، ليستعرض أرباحه الخيالية ويتندر علي بأسئلته: لم أنت صابر على عقارات لا تدر ما يكفي وراتب لا يسمن ولا يغني من جوع؟! وجوابي له أن الوظيفة هي مدرسة والعقار أمان والدّين عماة عين ومن طمع طبع. ودارت الأيام ونوخ سوق المناخ وتبخرت الأرباح، وكذلك الأصول وبقي الدين، ومرّ علي بو داود وقال لي رأس المال تبخر بس الحمدلله ما علي دين. والتحق صاحبنا بوظيفة ذات صفة استثمارية، وبعد سنوات طوال وبالصدفة التقينا وأخبرني بأن الله رزقه المال لكنه تعلم الدرس، وقام بتحويل كل أرباحه من الأسهم إلى العقار. وأسعدني أن النصيحة التي أهديتها له قد آتت أكلها. لكن بو عثمان لم يكن محظوظاً مثل بو داود، فقد كان دلاّل عقار نشطا، وله دكان صغير في سوق المناخ، وبفورة جنون السوق باع دكانه بخمسة ملايين دينار وأضحى من كبار تجار السوق مع تسهيلات له مقابل رهن عقاراته. وجاءني في يوم وقال لي بالحرف ان بالأمس تغدى مع أبنائه وأبلغهم بوصول مربحه إلى خمسين مليونا، ولن يروا الفقر يوماً بعد الآن. ردي على حديثه أن نصحته «يا بوعثمان عليك نصف مليون دينار قرضا مقابل رهن منزلك ومزرعتك وعمارتك، الأجدى تسدد القرض وتفرج عن الرهن». ضحك وقال لي: «في حسابي خمسين مليون وما ابيهم ينقصون». وترنح السوق وأضحت الإشاعات هي المحرك وبوعثمان أخذه الطمع، واستبدل كامل النقد بشيك آجل بمبلغ 150 مليونا، وانهار السوق وأصبح الشيك في يده بلا رصيد، وظل الدين والرهن وعاد بوعثمان دلالاً في السوق. وحين رأيته قال لي ليتني سمعت نصيحتك وسددت الدين على الأقل كنت تركت لأبنائي منزلا وعمارة. بعد لقائنا بأسبوع توفي بوعثمان وما ورّث إلا الدين لأبنائه.

والحكمة بالمقال المقبل.

عدنان عبدالله العثمان

 

المصدر: جريدة القبس ٢١ أكتوبر٢٠١٥ ( الرابط الالكتروني )

 

عقاري واحد Pdf