عقاري اثنين

تطرّقت في المقالات السابقة الى أزمة مالية عقارية صناعة كويتية، ألا وهي سوق المناخ. طبعاً الجيل الذي ولد بداية الثمانينات قد بلغ الثلاثينات من العمر، ويمثل شريحة كبيرة من القوى العاملة، وسوق المناخ لا يمثل لهم في ذاكرتهم الكثير. وبالنسبة الى من هم أصغر سناً فهم لا يعلمون شيئاً عن تلك الأزمة، التي لم تأخذ حقها من التأريخ كحال الكثير من الأحداث المهمة في تاريخ الكويت. وقد يكون التدوين الأهم لتلك الأزمة هي مسرحية فرسان المناخ للفنان بوعدنان، وأنصح كل من يعمل في المؤسسات المالية والتّجارة أن يخصصوا وقتاً لمشاهدة تلك المسرحية. فأولاً الكل «راح يفطس من الضحك»، وثانياً قد ينال من يشاهدها الحكمة الضائعة ويتعظ. وذكر تلك الأزمات هي من باب تأكيد أن التاريخ يعيد نفسه، فبشكل عام الكبار يطلعون منها سلامات ويطيح فيها الصغير اللي على قد فهمه، وكذلك الطمّاع اللي ما يشبع. وأنا أكتب هذه المقالة تذكرت اليوم «اللي انخبص» فيه البنك بسبب وزير مدين دخل في وضع حرج مع مجلس الأمة بخصوص تورطه في أزمة المناخ وعلاقته مع البنوك. كنتُ حينها في بدايات عملي، ولكن بسبب موقع مكتبي في دور المدير العام ونوابه ورئيس مجلس الإدارة طُلب مني تغيير ملف ذاك الوزير وتحويل كامل المديونية إلى شخص آخر، هو سمسار عقار معروف في ذاك الوقت. طبعاً وكما تعلّمنا طلبتُ البيانات المالية بغرض إعداد الطلب لعرضه على اللجان المختصّة قبل اتخاذ القرار، ولكن مديرنا عصّب وسحب مني الملف وأعدّ الطلب بنفسه وبأقل من ساعة كل شيء كان منتهياً، وكالسحر حساب الوزير صفر وحساب السمسار مدين بالملايين. وفي اليوم التالي وقف الوزير بمجلس الأمة، وقال ليس عليّ أي مديونيات لدى أي مصرف وأتحدى أي عضو يثبت غير ذلك، هنا تعلمّت الدرس الأول.
بعدها بأشهر دخلت مبكراً على اجتماع لمجلس الإدارة وسمعت آخر الحديث لأحد الأعضاء يقول فيه بحدّة: علينا أن نعلن إفلاسنا الإداري والأخلاقي قبل أن نعلن إفلاسنا المالي. ضحكت بيني وبين نفسي، وقلت وينك يا وزير تعال شوف؟!
طبعاً، هذه حادثة من مئات أعرضها لقرائنا الأعزاء للعبرة والتعلّم من أخطاء الماضي، فما حدث حدث في الكويت في الثمانينات، لكن ما عذر البنوك الأميركية مع كل ما يتمتع به البنك المركزي هناك من قوة رقابية؟! كيف؟ ولماذا خدع العالم؟ فهل عندهم نفس وزيرنا إياه؟!
الحكمة في المقال المقبل.
عند ذكر الفنان عبدالحسين عبد الرضا أقف وأرفع العقال له، وبكل احترام وتقدير أقول: بو عدنان حفظت لنا تاريخ الكويت وأسعدت وما زلت كبيرنا وصغيرنا، والله ما كو مثلك والله يحفظك.
عدنان عبدالله العثمان
المصدر: جريدة القبس ١ / ١١ / ٢٠١٥ ( الرابط الالكتروني )




