عقاري أربع

البنوك لها دور كبير في خلق الأزمات المالية، يكون العقار فيها ضحيتها، بسبب عدم فهم المصرفيين للعقار فهماً مهنياً. فالعقار خادع، وكثير يعتقدون أن التمويل هو عبارة عن تقييم للعقار وأخذ نسبة تغطيه، محددة وفق ضوابط البنك المركزي وتقييم العقار.
ومنذ عملي في البنك وإلى الآن، لا أرى التقييم العقاري قد وصل إلى المستوى العالمي. فما زال يتم باسلوب سطحي بعيدا عن التقاطع الفني. و«لا يزعل» مني اتحاد مقيمي العقار، ولا بنوكنا الاسلامية منها او التقليدية، فما أقول ما هو إلا لمصلحة المواطن البسيط الذي يدفع الفاتورة في النهاية.
فلا بدَّ أن يُثقّف المصرفيون الجدد بعقد دورات عقارية على المستوى الذي يعقد عالمياً. وكذلك تعميق فهم المصرفيين بالتمويل ذي العلاقة بالقطاع العقاري، وبالأخص قطاع المقاولات والتطوير، الذي يعتبر حفرةً عميقة لا قرار لها. وأذكر ـــ كمثال ـــ مقبرة المقاولين، والقليلون يتذكرون موقعها، ولماذا سميت كذلك.
فمقبرة المقاولين هي منطقة القرين، وسميت بذلك لوقوع معظم المقاولين ومن خلفهم ومن موّلهم من بنوك في خطأ قاتل، عندما وقّعوا عقوداً مع الدولة لتعمير تلك المنطقة، وكان ضمن العقد الحفر وتجهيز الموقع الذي كان أساساً مردماً للنفايات، يصل إلى عمق ثلاثة أمتار. لم يلاحظ هذه النقطة العديد من المقاولين الذين فوجئوا بحجم الخسارة التي وقعوا فيها، مع إصرار الدولة على حقوقها، وما نتج عنه من مصادرة كفالات بنكية وانكشاف هؤلاء المقاولين أمام مموليهم، ومن هنا يصبح تثقيف المصرفيين الجدد باصول تلك القطاعات ضرورة.
وأرجع الى العقار وفترة ما بين أزمة المناخ والغزو الغاشم، كنتُ فيها أوّل من أسس إدارة لمعالجة المديونيات الصعبة في المصرف الذي عملت به، وكان لمصرفنا قرض لعميل من دون ضمانات. مع بحثي الدقيق عن موجوداته، وصل إلى علمي امتلاكه أرضا في موقع خيالي وغير مرهونة لأي مصرف، فقمت بإعداد دراسة عقارية وجدوى اقتصادية وهيكلة ائتمانية شريطة رهن العقار لمصرفنا مقابل تمويل البناء وتغطية الدين القائم، وسيغطي عائد الاستثمار الدين الحالي والمستقبلي بنسبة مريحة يستطيع معها المصرف إرجاع المخصص إلى حساب الأرباح، وافق العميل من دون أي تردد، ولكن التردد جاء من مديرنا العام، الذي لم يكن يتمتع بالرؤية المطلوبة لاستشراف مستقبل العقار، مع انه حامل درجة اكاديمية عالية، وقال: «من صجك منو بيأجر؟»، عميلنا أخذ شغلي وموّل مشروعه من بنك ثان وتم بناء المشروع، وما زال شامخاً على شارع الخليج وبنسبة إشغال كاملة. والقصد لو أن هذا المدير حظي بأي نوع من التدريب العالي في مجال الائتمان العقاري عند بداياته في العمل المصرفي لما أضاع تلك الفرصة الذهبية.
والحكمة في المقال المقبل.
عدنان عبدالله العثمان
المصدر: جريدة القبس ٢٥ / ١١ / ٢٠١٥ ( الرابط الالكتروني )




