منزل العمر

 

 

الكويتي ينتظر سنوات و«يتبهذل»، إما بغلاء الإيجار أو بضيق السكن، مشاركاً والديه منزلهما، وبعد سنوات عجاف تطلع له أرض وقرض. لكن المسكين لا يدري أن مأساته قد بدأت الآن.. فهو سيواجه عقبات جمة من أرضٍ قاحلة تنقصها الخدمات، وأحياناً تختلف بها المناسيب، وصراع مع أجهزة الدولة العتيدة من أشغال وبلدية وكهرباء، وأقف هنا لحظة متأملاً وأقول: من هي الحكومة؟ أليست مجموعة من المواطنين يديرون شؤون الدولة، وهؤلاء المواطنون أليس هم أنفسهم من ينتظرون بيتا ويواجهون جبلا من المعوقات؟! يعني الكويتي اللي يشكي الحال مو هو نفسه اللي شاقي نفسه بنفسه؟! ولو موظفو الدولة الكل عمل واجتهد لأصبح وطننا اليوم جنة الله في الأرض. وأرجع لصاحب بيت العمر ناصحاً وراجياً أن يأخذ العبرة من كلماتي القليلة. ففي إحدى المناسبات دُعيتُ إلى منزل في جنوب السرة، واستغربت أن الدرج للدور الأول يبدأ من أول الرصيف، وما قدرت إلا أن أسأل صاحب البيت: ليش رابط الدور الأول بدرج يمتد على أملاك الحكومة وبشكل قبيح؟ فكان رده ان هذا ليس بالدور الأول، بل هو الدور الأرضي، واللي تشوفه هذا السرداب! ويكمل المسكين قائلاً: غلطتي هي بناء البيت قبل إتمام الأشغال لخدمات الطرق في المنطقة، فأخذت المناسيب من البلدية والتي اتضح أنها لا تتطابق مع الأشغال، وبعد انتهائي من البناء وإيصال التيار، وبعد سنوات من «البهذلة» من دون طرق معبدة ومن دون صرف، قامت الأشغال بتنفيذ الطرق حسب مناسيب لا تتوافق مع المناسيب المرخصة لنا، وتعلّق البيت في الهواء وصار السرداب بمنسوب الأرضي، والأرضي بمنسوب الأول، ولا نستطيع دخول البيت إلا من خلال هذا الدرج اللي مو عاجبك وتصفه بالمخالف، فخلنا ساكتين أحسن.. قال مضيفي المسن تلك الكلمات بحسرةٍ وألم، فهو يعاني من هذا الدرج يومياً مع آلام ظهره والركب. وأتساءل إن جاءته البلدية وطبقت قانونها وازالت الدرج، فكيف لأصحاب المنزل دخوله، ومن سيعوض المواطن المسكين؟! 

واقول للكويتي صاحب بيت العمر: ترى فرصة نجاحك في بناء المنزل، كما تتمنى، هي طلقة وحيدة في مسدس في مواجهة وحش، فإما تصيبه من الطلقة الأولى فتنجو، أو تضيع فتؤكل.. يعني ما عندك خط رجعة، والوحش هنا بثلاثة رؤوس: الاقتراض في سبيل بناء المنزل، الزوجة بطلباتها، والمقاول اللي ما يخاف الله.. هو وحشٌ مريع، غالباً ما يطبق بفكيه على المواطن الذي سيعيش حياته في منزل العمر بين جدران مربعٍ مظلم مع معاناة الدَّين وأخطاء التصميم وغش المقاول وصيحة وتحلطم الزوجة اللي ما يخلص.

ولنا وقفةٌ قادمة مع هذا المربع المظلم.

 

عدنان عبدالله العثمان


المصدر: جريدة القبس ١٢ يناير ٢٠١٦ (الرابط الالكتروني) 

منزل العمر Pdf