أزمة فكر!

 

 

زارني أحد المديرين في بنك حديث الأسلمة، وهو زميل من الحرس القديم، وكان لحديثنا شجون، استهلها بسؤالي عن الوضع الاقتصادي وما سيكون عليه تأثير انخفاض النفط. هو بحنكته يسألني لاستقراء الوضع بعين العميل والمستثمر، فكانت رؤيتي التي ارتأيت مشاركتها القارئ، وقد لا يشاركني الكثيرون بها.

أولاً أجبت صاحبنا بسؤال: كم تعداد سكان «شبرا الخيمة» في القاهرة؟ فأجاب: ثمانية ملايين. ثم سألته: كم تبعد العبدلي عن النويصيب؟ أجاب: يمكن 300 كيلو متر، لكنك لم تجاوبني بعد!

في الواقع أنا أجبته. فنحن في الكويت تعدادنا يصل إلى مليون «وشوي»، ومساحة الكويت محدودة جدّاً، فشارع يمتد من الدمام إلى جيزان تكلفته تزيد على تكلفة شوارع الكويت كلها. والمعنى أن البنية التحتية والخدمات في الكويت مقدور عليها، ولا تقارن بأي شكل من الأشكال مع الدول المحيطة، عدا أن الدولة دائنة، وليست مدينة لأي طرف، ولها استثمارات بمئات المليارات، والتي إيراداتها لا تدخل في الموازنة العامة للدولة. كل هذا والناس يخشون وصول النفط إلى عشرين دولاراً. فالخوف والخطورة هنا في الكويت نَفْسي وفكري، فالدولة لا تخاطب شعبها، وتترك الإشاعات والقلق تدفع بالمواطن إلى اتخاذ قرارات خاطئة. ضحك صاحبنا وما علّق؛ لكونه غير كويتي «وما يبي مشاكل»، لكني كويتي، ويهمني وطني. فبعد أزمة عام 2000 المالية وما تلاها خفّضت أميركا الفوائد دعماً لاقتصادها وإعادة الثقة إلى أسواقها، وفي ذلك الوقت كان اقتصادنا مستقرّاً والفوائد ما بين %5 و%6 على الودائع، والنفط يتراوح عند 14 دولاراً، لكن الكويت حذت حذو أميركا، وخفّضت الفوائد على الدينار إلى أن أصبح العائد على الودائع أقل من %1، مما دفع «اللي يعرف واللي ما يعرف» إلى دخول سوق العقار والتطوير، فارتفع العقار وزاد التضخم وارتفعت الرواتب وتضخّمت من دون داعٍ، والكل أخذ يقترض ويتوسع في الاقتراض، وكالعادة تمويل قصير الأجل لتمويل استثمارات طويلة الأجل، والحين الكل دخل القرقور، واقتصاد أميركا تحسّن، وبدأت بزيادة الفوائد.

في المقابل، «خلونا نشوف حالنا»: العقار تضخّم ودخلنا مرحلة تصحيح، والبورصة وضعها يتجاوز السيئ، السيولة شحيحة، حروب بالجوار، الطائفية تطل برأسها الشيطاني، من حين إلى آخر، ونجد دولتنا تغض النظر عن هذا الوضع، وترفع الفوائد على الدينار، «ليش احنا أميركا؟!»، وبعدين فكرة توطين ودعم العملة الكويتية أمر لا أستوعبه، فدينارنا ولله الحمد غير معوّم، وأعتقد أن الدولة عندها احتياطيات نقدية بالعملة الأجنبية، تزيد على حجم الدينار المصدر. والقصد «احنا ما عندنا أزمة»! يمكن ركود ويمكن تحوط، ولكن إذا استمررنا في الهرولة وراء أميركا واقتصادها فأبشّ.ركم بأزمة مالية، نقدر نطلق عليها وبكل فخر «صُنع في الكويت»!

ولنا وقفات مقبلة مع أزمة فكر.

 

عدنان عبدالله العثمان

 

 المصدر: جريدة القبس ٩ سبتمبر ٢٠١٦ (الرابط الالكتروني) 

 

أزمة فكر Pdf

عدد الزائرين:

90 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr