مدينة فرنسية صغيرة تعدادها لا يزيد على 100 ألف نسمة، تقع على مثلث الحدود الألمانية السويسرية الفرنسية. قبل عدة سنوات قابلت وفداً من تلك المدينة مكوناً من فرنسيين عرب وفرنسيي الأصل بخصوص تمويل استكمال بناء مركز إسلامي ضخم هناك، والجماعة يتكلمون عن تمويل بحجم 15 مليون يورو، ولم أعطِ المشروع أي اهتمام وذلك لالتزامنا نص وصية والدنا فاعتذرت منهم، وقبل شهر عاود صاحبنا الفرنسي العربي زيارتنا مرة أخرى ومعه صاحبه الفرنسي وزوجته الاسبانية ومعهم سيدة فرنسية عربية، وأخرى فرنسية الأصل. وكالعادة أحسنا استقبالهم، والفرق بين أجواء اللقاءين هو ما ضرب فرنسا من هجمات إرهابية، ما جعلني أسترسل هذه المرة في الحديث معهم عن مشروعهم الذي ظل متوقفاً لسنوات لعدم استكمال التمويل، والوضع الحالي ليس بنزهة لأي مشروع يحمل طابعا إسلاميا في أوروبا. وفي سياق الحديث طرحت عليهم عدة أفكار لعلها الجواب لأزمتهم. فسألتهم أولاً: لم مشروع إسلامي بهذه الضخامة في مدينة لا يزيد سكانها على 100 ألف؟! ثانياً ما الرؤية وما الذي سيقدمه المركز من خدمة للمجتمع الفرنسي؟! الجماعة صَعُب عليهم الجواب فـ«الرَّبع» وكما يقال عندنا بالكويتي «مكبرين اللقمة حيل» فجاملوني وقالوا هذا مركز لكل الأديان. كلامهم ما دخل راسي فقلت أكمل مو خسران. فسألتهم إن كان هناك حوض سباحة للنساء وآخر للرجال؟ وهل مسموح لليهود والمسيحيين بالسباحة معكم؟ وهل قاعة الاجتماعات الضخمة مسموح فيها للآخرين بممارسة عقائدهم؟ وجهت حديثي للإخوة العرب منهم، وسألتهم عن صلاة الجمعة وإن كان الإمام سيدعو في كل خطبة على اليهود والنصارى. صاحبنا «توهق»، فأعدت السؤال عليه: لم مشروع بهذه الضخامة إذن إن لم يكن هناك مكان لغير المسلمين فيه وعدد المسلمين لن يزيد على بضع مئات؟!.. أعتقد هنا وصلت الرسالة واضحة لأصحابنا، لكن الجدل استمر وأشار إلى الفتاة الفرنسية، وقال هي من المسلمين الجدد وها هي محجبة، أجبته بارك الله فيها، لكن السؤال: هل الحجاب أساس لإسلام أي فتاة فرنسية، وهل هو سبب كافٍ لإقناعي بتبرع؟! وطال الحديث واختصرت لهم بأن ما تحتاج إليه أوروبا من المسلمين إعادة إنتاج الفكر الدعوي بطريقة يتقبلها الآخر ومبنية على تسامح ديننا الحنيف وتحبب الناس بنا، وختمت معه بقصة جامع بحمدون وجامع صيدا، اللذين شيدهما المرحوم عبدالله العثمان أواخر الخمسينات في لبنان. فالأول في قرية مسيحية والثاني أقيم على أرض تبرع بها رجل مسيحي. فاستغرب الرَّبعُ من قصة نجاحٍ دعويٍ بُنيَ على التسامح الديني تجاه الأديان والمذاهب الأخرى، فكانت تجربة تستحق منهم دراستها فقد يجدون فيها الجواب على أزمتهم.