جماعة ميلوز ومشروعهم، الذي تناولناه سابقاً، قد يعكسان تجارب لمراكز إسلامية ممولة من الخليج انتهت إلى مراكز لبث الفرقة والتعصب والإساءة إلى الإسلام. لماذا؟ لأننا في الخليج نمول تلك المشاريع بعاطفتنا وليس بعقولنا. فتلك المراكز تحتاج إلى إدارة تمثل الدولة ورقابة صارمة ورؤية واستراتيجية واضحة ورقابة الدولة المضيفة لها، عدا ذلك فإن مصير تلك المراكز قد يكون الوقوع في قبضة من لا يؤتمن جانبه، وتعطي نتائج عكسية تسيء إلى ديننا ودولنا. وللعلم فقد تم تمويل مشروع مماثل في فرنسا من قبل جهة حكومية وبمبلغ يصل إلى خمسة ملايين يورو، وبعد سنوات ألغت بلدية باريس هذا المشروع بعد الهجمات الإرهابية هناك وأعيد المبلغ. يعني الجماعة قالوا لنا تعالوا اخذوا فلوسكم ما نبي شي منكم! فتلك الوفود تأتينا من الخارج لا نعرف عنها أي شيء غير قدرتهم على تجييش العواطف فنعطيهم فلوسنا من دون سيطرة أو رقابة منا على صرفهم لها، وعلى إدارتهم للمشاريع ورؤيتهم المستقبلية لها. وهنا لا أتكلم عن هذا المشروع بالذات، ولا أشكك بذممهم، فأنا لا أعرفهم، وكذلك انا هنا لا ادعو الى المساهمة او عدم المساهمة! لكن اقول الحذر مطلوب لدى التعامل والمساهمة في مثل تلك المشاريع الكبيرة، وعلى الدولة حماية محسنيها المتبرعين بفرض رقابتها الحاضرة والمستقبلية، وإلا العواقب سوف تكون وخيمة، ولا ننسى ما آل إليه متبرعو مجاهدي افغانستان في ذلك الوقت من ملاحقات قانونية دولية مستمرة ليومنا هذا!
وقد تلقيت اتصالات عدة تسأل عن قصتي جامع بحمدون وصيدا. بحمدون هي قرية مسيحية على رأس جبل لبنان، ومكان محبب جداً للسياح الكويتيين، ومن أوائل المصطافين هناك المرحوم عبدالله العثمان. وكان المصطافون ينزلون بيروت لأداء صلاة الجمعة، وبناء جامع في دولة مقسمة طائفياً ليس بالأمر السهل. ومن سجلات وشهادات معاصريه فالعثمان لم يفرق في تبرعاته بين الطوائف الاسلامية والمسيحية، فقد وصلت كل أطياف المجتمع اللبناني، مما أوصل رسالة واضحة أن المسجد الذي ينوي بناءه لن يكون مصدر تهديد طائفي لأهل المنطقة، فكان تشييد جامع بحمدون الذي افتتح بحضور كبار رجال الدين من كل الطوائف الإسلامية والمسيحية. أما مسجد صيدا فكانت الأرض تقع على رأس تلة يملكها مواطن لبناني مسيحي بنية بناء كنيسة عليها، لكن لما سمعه ورآه من تبرع المرحوم عبدالله العثمان لدور الأيتام المسيحية ودور عبادتهم وهبها له لبناء مسجد عليها. وقبل العثمان الهدية لكن بشرط أن يأخذ الأرض منه شراءً بمبلغ رمزي لأن المسجد لا يقام على أرض هبة، وتمت الصفقة وبني الجامع وما زال شامخاً هناك. والحكمة أن التسامح الديني وقبول الآخرين هما الحل.