وقت السفر نظل أهل الكويت نحنّ لأكلنا، والمطبخ الهندي هو الأقرب لنا بما يحمله من عيوش وبهارات وفلفل ولبن خاثر والنان الزين. حتى اليهال صابهم الملل من الهمبرغر والبيتزا. وشخصيا أنا محب لتجربة موائد الشعوب من صيني وكوري وتايلندي الى اليوناني والاسباني! وفي يوم لندني ماطر بالصدفة جاورنا مطعما هنديا، ومبين عليه كشخة ومرتب، فاقترحت على بنتي نجربه، وقالت ان شاء الله يعجب أحفادك. دخلنا المطعم، وبدأت أتأمل من حولي، فهناك طاولة لعدد يزيد على ٢٠ شخصا من عائلة هندية، وعلى رأسها يجلس رجل مسن، وشخصيا أحمل الإعجاب للجالية الهندية المغتربة في مختلف بقاع الأرض، فهي جالية مسالمة عادة لا تقع في مشاكل مع المجتمع الحاضن لها بكل مكوناته، وهي جالية محافظة على تقاليدها، وكذلك قواعد دينها أيا كانت الديانة، فلا نجد في الغرب من يلتفت لامرأة ترتدي الساري أو البنجابي، لأنها ببساطة نالت قبول واحترام المجتمع الذي تعيش فيه. ولم تكسر الغربة أهمية الرابط الأسري لديها، فقد ينتمي الرجل المسن الجالس أمامي وأسرته إلى الجيل الثالث أو الرابع، فعلاقة بريطانيا مع الهند وتواجد الهنود على أراضيها قديم، وقد نجحت الجالية الهندية في تحقيق التوازن بين الاندماج كمواطنين في المجتمع البريطاني، وبين الحفاظ على تراثها. ومن تلك الطاولة ننتقل للأخرى، وعليها عائلة كويتية نالت إعجابي مكونة من زوج وزوجة وأربعة أطفال، الملابس مناسبة للإجازة، فهي مريحة مع أحذية رياضية، والأهم من دون خدم، الأم والأب يتساعدان على عيالهم. هذا قام وهذا قعد وهذا أكل والثاني ما يبي. وهذا الوضع لا يختلف عما يقوم به النسيب وابنتي مع أبنائهم، فالإجازة ليست فقط من الدراسة بل أيضاً إجازة من الخدم والاتكالية، ومصدر لذكريات سنعرف قيمتها عندما يغدو الصغار كباراً ويرحلون وتبقى ذكرياتهم وشطانتهم فيلماً جميلاً في ذاكرتنا كلما لف الصمت حياتنا، فهي وكما قيل الناقوس الذي يدق في عالم النسيان. أما الطاولة الثالثة فهي من نوع قط عيالك على الخادم، الأم ماركات والأب مجابل التلفون وخدامتين للطفلين مع أكياس التسوق، قلت بنفسي لو يعلم الأب والأم ما يفقدان في تلك اللحظات لما تركا أطفالهما مع الخدم. لكن الطاولة الرابعة هي الأسوأ، فتاتان بمقتبل العمر متحجبات ومو متحجبات، يعني الشعر نصه طالع والعباية لا تستر وطايحين خز بالعالم. كل هذا مو مشكلة، المشكلة بالموجود على طاولتهم فما احترموا دينهم ولا وطنهم ولا العائلات اللي حواليهم.
وأخيراً وصل البرياني والنان وسمينا بالرحمن وقلت دعِ الخلق للخالق وجابل غداءك واسعد مع احفادك، قبل ان يدركنا العمر فيرحلوا.