إعادة الهندسة



 

 

قد يأخذنا العنوان، وهو الترجمة الحرفية لكلمة re-engineering، إلى مقال ذي سياق صناعي، لكنه مصطلح رئيسي في عالم إدارة الأعمال، وقت تتخذ الشركات قرارات مصيرية فتستعمل المشرط لعلاج مكامن الخلل، ورفع أداء العمل والانتاجية والمنافسة للخروج بنيولوك أكثر رشاقة وخفة، بعد تحقيقها الأهداف المرسومة. هذا التمرين يتطلب المال والإرادة، ويحاربه المتنفذون وأصحاب المصالح، ومن طاب لهم هامش الراحة comfort zone، الذي يعيشه الكثيرون من الموظفين نتيجة روتين يومي يصعب تغييره. ومع انني ممن يملكون الخبرة في هذا المجال، لكنني دوماً ما ابتعدت قدر المستطاع في تنفيذه عن قطع أرزاق الناس، وبفضل الله ومن خلال عملي لأكثر من ٢٣ عاماً في البنوك المحلية، فلا أتذكر أنني قمت بتفنيش أي موظف ما عدا واحدا، وذلك حتى يتسنى له تسلّم كامل مكافأة نهاية الخدمة بدلاً عن النصف في حال استقالته. لكن إعادة الهندسة هي ليست فقط للمؤسسات، بل يمكن تطبيقها كذلك في تطوير الفكر وآلية التعامل مع المستقبل في ميادين أخرى، وهو ما أطبقه اليوم في تجربتي الحالية في إعادة هيكلة وهندسة للعمل الخيري. فالكويت بلد العطاء والإحسان وأهلها نجوم العمل الخيري، لكن للأسف صرنا مثل عين عذاري نسقي البعيد وننسى القريب. وفي الوقت نفسه أصبح العمل الخيري تقليديّاً ومعاداً، فدورات حفظ القرآن يفوز بها الحفاظ المتمكنون، وهم الأشخاص انفسهم يتداولون جوائزها سنوياً. كذلك هو التبرع لوزارة الصحة في دولة ثرية فقط لوضع اسم المتبرع، لا وبعد فترة يشيلون اسمه، ويحطون اسماً آخر! وتلك قصة حقيقية حيث عُرِضَ على ثلث والدنا تجهيز جناح في أحد المستشفيات، وكانت المفاجأة أن الجناح سبق ان تبرع بتجديده أحد الأخيار، الذي انتقل إلى رحمة الله، فكيف لنا أن نتبرع لإزالة اسمه واستبداله بآخر. الصراحة ما شفت بهذا العمل إنصافاً بحق المتبرع السابق. وبعدين سؤالنا لوزير الصحة: أيعقل الكويت وبكل فلوسها وتبرعاتها بالخارج عاجزة عن تجهيز أجنحة لمستشفياتها؟! لذلك أنا مؤمن أن الجانب الخيري الذي تحتاجه الكويت فعلاً هو ما يصب في رعاية النشء وتحفيز الإبداع والقراءة، وغرس الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية ورعاية الأسرة وتثقيف المجتمع، ليقوم بواجبه اتجاه وطنه. فإعادة توجيه قسم من تبرعاتنا اتجاه الوطن ونشأته لهو أكثر أجراً من التبرع بمبانٍ لدولة غنية ما تعرف شتسوي بفلوسها. وهذا لا يعني التقليل مما نقوم به من عمل خيري تقليدي، ولكن نحتاج الى إعادة هندسة للإفادة منه مجتمعياً.

عدنان عبدالله العثمان

 

المصدر: جريدة القبس ١٠ سبتمبر ٢٠١٦ (الرابط الالكتروني)

إعادة الهندسة  Pdf