قد يختلف معي البعض في تهنئة إخواننا المسيحيين وأصحاب الديانات الأخرى بأعيادهم، وبقناعتي الشخصية فإنه من الواجب التفاعل الإيجابي تجاه الآخرين بما يحملونه من عقائد وفكر، فهناك متسع في الأرض للجميع. وما نراه الآن من حروب واختلافات وقودها فكر رفض الآخر عقائدياً، رغم أن العقيدة هي شأن الإنسان نفسه لا شأن سياسياً، وأنا أقدر موقف الأزهر الشريف الذي أصدر فتواه بجواز تهنئة أصحاب الديانات باحتفالاتهم. وفي مقالين سأغطي تجربتي الشخصية مع الكريسماس في قصة تحمل الحكمة.
نعود إلى عام ١٩٧٥، حيث تخرجت حديثاً في ثانوية العديلية ولم أحصل على المعدل المطلوب للبعثة، فقررت الدراسة على حسابي من خلال وزارة التربية. تم ذلك، وكنا تقريباً ٣٠ طالباً في الطائرة، وصلنا واشنطن، ووزعنا الملحق الثقافي على ولايات عدة لدراسة اللغة في الجامعات، وكان نصيبنا من التوزيع جامعة في جنوب إلينوي، كانت المرة الأولى في أميركا، وكل ما نعرفه عنها هو ما نراه في أفلام الكابوي.
في سكن الطلبة شاركني الغرفة طالب أميركي وشاهدني أُصلّي، ولما سألني شرحت له وتقبل باحترام، وكان يحرص على الخروج من الغرفة لدى صلاتي. وفي يوم سألني عن خططي لعطلة عيد الشكر، طبعاً جاوبته: ولا شيء!
أصلا ما أدري شنو عيد الشكر؟! فضحك صاحبنا واتصل على أهله في شيكاغو وانعزمنا عندهم لمدة أسبوع، كانت عائلة ثرية وعاملتنا كأننا أبناؤهم، وكان اجتماعنا العائلي حول الديك الرومي يعمه شعور الدفء والمحبة، ومحد من عيالهم سألنا شنو دينكم وشنو جابكم عندنا. هذا الكرم وقبول الآخرين ترك أثراً إيجابياً في نفسي. عدنا إلى كاربندل واقترب موعد إغلاق الجامعة لأبوابها، ولاحظت أن الطلبة المبتعثين على حساب الدولة جرى ترتيب قبول لهم في الجامعات حسب تخصصاتهم، إلا احنا اللي جئنا على حسابنا، فاتصلت بالسفارة، وكانت المفاجأة الكبيرة إذ أبلغونا أن ترتيب القبول هو فقط للطلبة المبتعثين، أما إنتوا فدبروا روحكم. يعني السفارة قطتنا على صخر! وبعد عناء أحد الطلبة الأميركان قال لي إن أهله في أيوا ممكن يساعدونا وفعلاً أهله ماقصروا، حصلنا على قبول في معهد صغير في قرية اسمها مارشال تاون، خذينا الباص وقطعنا يومين بالطريق، يعني معاناة ما لها أول من آخر، المهم وصلنا نص الليل والدنيا برد والسماء تثلج واحنا وجناطنا قاعدين برة المحطة ندور على تاكسي يودينا الأوتيل. هناك لاحظ وجودنا عامل فسألنا عن سبب انتظارنا فقلنا ناطرين تاكسي، ضحك الرجل وقال لنا: راح تثلجون قبل لا تلاقون تاكسي. وهذا الرجل ما قصر، ركبنا وانيته ووصلنا الأوتيل.. وما يلي من أحداث راح تعرفونها في المقال المقبل.