كريسماس (٢)

 

 

التهنئة بالكريسماس جدل ماله أول من آخر، وكما يقال فاختلاف العلماء رحمة، فالوضع تغير ولم يعد مجديا عكس التاريخ على الحاضر، ومع أني ذكرت فتوى الأزهر الشريف فإني فوجئت بكثير من التعليقات التي أحترم مرسليها ما لم تخرج عن إطار إبداء وجهة النظر. فإذا ما نظرنا حولنا فكل ما نفعله هو تقليد للغرب، ملابسنا ومكياج حريمنا وسياراتنا، والتلفزيون والآيفون والسناب وغيرها، كلها صناعتهم وأفكارهم، وما هي صناعة المسلمين، ومع كل هالتقليد ما شفنا أحد غيّر دينه! فالعالم اليوم هو عالم متشابك والعلاقات فيه تحكمها السياسة والمصالح والتواصل الثقافي الإنساني. والأصل في الإسلام هو نهج حسن المعاملة وإظهار القدوة الحسنة حتى نكسب القلوب.

لكن ما حصل في هالوقت الأغبر أن الإسلام أضحى ضحية للتطرف والإرهاب على يد قلة مضللة من المتطرفين، لذا فإن من الضروري مراجعة ما نقول وما نفتي به تجاه تعاملنا مع الآخر. ونعود هنا لقصتنا التي بدأناها المقال السابق، فبعد ما وهقنا الملحق الثقافي، وصلنا قرية مارشال تاون ولقينا موتيل وتشاركنا الغرفة، وصادف اليوم التالي يوم كريسماس وكل المحال مغلقة، فانحكرنا بهالغرفة نطالع بعض من ضيقة الخلق، وإذ بالهاتف يرن وانصدمنا، مين راح يتصل علينا في هالمكان! رفعت السماعة وإذ بسيدة تسأل إن كنا احنا الطلبة الكويتيين الجدد، وما استوعبت في البداية لكن اتضح لي أن المعهد لدى علمه بقدوم الطلبة الجدد بلّغ الكنيسة التي بدورها بلّغت الأهالي الذين أخذوا على عاتقهم الاتصال يومياً بالموتيلات بحثاً عنّا. المهم الجماعة لقونا وخذونا لبيتهم، ومن بعد الجوع والبرد وضيقة الخلق انتهى يومنا بوليمة الديك الرومي وأمسية جميلة مع عائلة جميلة وتجربة كريسمسية عجيبة، وفي اليوم التالي كل واحد فينا استضافته عائلة وساعدونا في الحصول على رخص القيادة وغيرها من المعاملات وقضيت مع تلك العائلة أربعة أشهر، وكانت سيدة المنزل تعاملني كأحد أبنائها تعد الفطور والعشاء، وفوق كل هذا ترفض تقاضي أي أجر على سكني معهم، والكل رحب بالطلاب المسلمين اللي زايرينهم من الكويت اللي محد في القرية سمع عنها من قبل، فكانت بالفعل تجربة تجسدت فيها قيم التسامح الديني وتبادل الثقافات، فالدين والإنسانية تجمع ولا تفرق. ودارت الأيام وإذ بابني أحمد يلتحق بالجامعة بولاية أيوا، وعند ذهابه هناك رافقته، وكان الوقت قبيل الكريسماس وذهبت إلى مارشال تاون ووجدت المنزل لكن لم أجد أصحابه، واستذكرت ما فات من جميل الزمن، فاكتفيت بسرد القصة على ابني لتكون له عبرة وعظة، ومنذ ذاك التاريخ أحرص على تهنئة إخواننا المسيحيين بأعيادهم وأقول لهم: ميري كريسماس وعام سعيد.

 

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر ٢١ ديسمبر ٢٠١٦ ( الرابط الالكتروني )

كريسماس (٢) Pdf

عدد الزائرين:

396 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr