النعامة

 

 

 

 

قبل أيام وصلني مقطع على الواتس آب يبدو أنّ من نشره موظف نشط في وزارة الكهرباء، اعتقد أنّ الإجراء الذي قام به سوف يرفع من رأس وزارته، لكن الواقع هو العكس، و«خلونا نشوف». المقطع تم تصويره في منطقة العدان لمنزل جديد غير عادي، فهو عمارة ضخمة مكونة من خمسة أدوار. وصاحبنا موظف الكهرباء اصطحب معه عمالا لقطع التيار الكهربائي عن المنزل المخالف ويصور بكل فخر هذا العمل. فبدأوا بإزالة الفيوزات، ثم طلب من العمال فصل الكيبل الرئيسي من المحول، ويقول لهم: «روحوا فصلوه وأنا ناطر هني!»، ويشرح للمشاهد أن البيت مخالف ولم يستدل إلى ملف له في الوزارة، طبعاً صاحبنا حيل فرحان بإنجازه، لكن «خلونا نحلل هذا المقطع». أولاً: نلاحظ أن البيت – أو العمارة بكلمة أصح – كاملة التشطيب، إذاً «وين البلدية من الأول؟ هذا مو طرثوث يطلع بين ليلة وضحاها!» وكيف تم إصدار شهادة لا مانع من إيصال التيار الكهربائي؟ ونلاحظ في المقطع أن الكيوبيكال والفيوزات المستخدمة كلها جديدة وموصل بها كيبل ممتد من المحول الرئيسي، والسؤال الكبير هو: من ركّب ووصّل التيار لهذا المخالف؟ ونتوقع الرد من الوزارة كالآتي: إحنا وصّلنا التيار وكان المبنى غير مخالف، وبعد الإيصال قام صاحب المنزل بالمخالفة، طبعاً هذا هو الرد «اللي تسمعنا إياه دايماً البلدية ووزارة الكهرباء»، لكن صاحبنا الموظف فضح السالفة حين قال إنه لم يجد ملفا لهذا المبنى في الوزارة، وهذا يعني تم الإيصال من خارج رحم الإجراءات القانونية! وهذا اعتراف من هذا الموظف  «اللي الله يعينه، فأكيد سيعاقب على ما قاله».

لكن أنا أقول  لكم كيف تتم هذه المعاملات. فحسب ما يتداوله الناس فهناك مجموعات في وزارة الكهرباء عندها قائمة خدمات مثل قوائم الطعام، وتدعمها شركات مرخصة تسوق لها «وشنو ما تبي يصير»، فمثلاً إيصال التيار من دون ورقة بلدية لها سعر، وإيصال التيار من دون عداد ومن دون دفع رسوم له سعر،  وإذا قالت لك الوزارة ما في إمكانية لإيصال التيار أيضاً له سعر، وإذا تبي تغير مكان محول يصير وهكذا. وما شاهدناه في المقطع والشهادة التي أدلى بها كافية لإثبات هذا الفساد المقيت. ودائماً أقول، وإن كان أهل الفساد قلة لكنهم القوة المؤثرة على مصالح المواطنين وضررهم عظيم، وهذا لا يعفي قياديي تلك المؤسسات من المسؤولية التقصيرية وإن كانوا من نظيفي اليد والسريرة، لكن أخطاء أو فساد بعض موظفيهم لا بد أن يضعهم تحت المساءلة. ولهذا الموظف الشريف الذي أراد رفع رأس وزارته، أقول له:

وزارتك نعامة رأسها في التراب وجسدها، المشوب بالفساد، ظاهر للعيان.

 

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر السادس عشر من مارس عام ٢٠١٧ ( الرابط الالكتروني )

النعامة  Pdf