درة الوطن هو الإنسان

و درة الإنسان العلم

هذه هي الحقيقة التي أراها ماثلة أمام عيني كلما تصفحت دفاتر مدرسة عائلتنا القديمة. أتلمس بأناملي الأسماء و الدروس و الحسابات التي دونها والدي و إخوته رحمهم الله على أوراق عتيقة أضحت الآن هي الشاهد على يوميات طالب و معلم و وطن . الطلبة يدخلون عبر بوابة المدرسة حيث ينتظرهم مع خيوط الشمس الأولى جدي عبداللطيف العثمان بقامته المهيبة و لحيته البيضاء يأخذ بيدهم إلى حوش المدرسة  ليتجه بعدها كل طالب إلى فصله . الفصل الواحد يضم بين جدرانه أبناء آل صباح و العتيقي و الدويلة و الصانع و الوزان و الحرز و الرشيدي و الصبيح و الخليفة و الخميس و البغلي  و الهاجري و الجناعي و بوعباس و الشايع و الحقان و أبل و مندني و المطوع  و العسكر و الشهاب و الفرج ينهلون العلم من معلميهم الأستاذ عبدالله العثمان و الملا عثمان العثمان و الملا محمد العثمان و الأستاذ عبدالعزيز العثمان و الملا بكر و الملا راشد العازمي و الملا صالح المسفر و الملا عباس و الملا محمد الوهيب رحمهم الله جميعاً . الكل يجاهد في سبيل العلم  و الوطن . و الكل متساوٍ في محبته و انتمائه للوطن .

على أوراق أخرى أتلمس أيضاً تاريخ عائلتي منذ قدوم جدهم الأكبر عثمان بن أحمد العثمان إلى الكويت أوائل القرن التاسع عشر ميلادي  قادماً من الإحساء حاضرة العلم و الدين و اللغة حيث كان جده الأكبر الشيخ أحمد بن عثمان شيخاً من شيوخ المذهب المالكي في الإحساء أواخر القرن السابع عشر ميلادي .

 

فأجدني بعد هذا أدرك كم كان للعلم من دور محوري في بناء بيت عائلتنا و تأسيس حياتنا و حاضرنا و مستقبل أبنائنا منذ وثيقة الوقف الأولى لجدي الأكبر عام 1870م .

بعدها أجدني أتساءل لو لم يكن للعلم مكان فينا , لو لم يكن للعلم رجال و نساء يحملون عِظَم رسالته في قلوبهم مع شمس كل نهار رغم المحن و الصعاب , كيف كان لنا أن نبني عماد البيت و كيف كان لنا أن نبني عماد الوطن.

من هذا المنطلق حملت على عاتقي و منذ أعوام طويلة إنجاز هذا الكتاب شكراً  و عرفاناً إلى المعلم و المربي , إلى والدي الأستاذ عبدالله و إخوته أعمامي الأفاضل الملا عثمان و الملا محمد و الأستاذ عبدالعزيز , إلى الأستاذة فاطمة الحقان و الأستاذ أحمد عثمان العثمان  و الأستاذ سليمان عبدالله العثمان و كل من اختار التعليم سبيلاً في الحياة من أبناء عائلتي , و اعترافاً بفضل كل معلم بذل العطاء بمحبة و إيثار في ميدان التربية و التعليم على أرض كويتنا الحبيبة .

و لأن هذا الكتاب في روحيته هو للمعلم ما رأيت خيراً من معلم يتصدى لكتابته , فكان أن وفقني الله بالمعلمة إيمان أسعد و هي ابنة أختي السيدة الفاضلة هدى عبدالله عبداللطيف العثمان . فإلى جانب دخولها سلك التربية و التعليم فهي تملك حساً أدبياً وشغفاً تجاه تجربتها في التعليم كطالبة و معلمة مما كان له خير الأثر في تنفيذ هذا الكتاب .

و بالتوازي مع هذا الكتاب سيكون لنا بإذن الله تعالى سلسلة متواصلة من الكتب التي  توثق تاريخ إمارة الكويت اعتماداً على المستندات التاريخية الخاصة بالمرحوم عبدالله عبداللطيف العثمان و عائلته.

و في هذا المقام فإني أتقدم بهذا الكتاب إلى درة الأوطان وطني الحبيب الكويت و إلى صاحب السمو أمير البلاد المفدى الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح و ولي عهده الأمين صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح و إلى الشعب الكويتي الأبي الذي سطر بعرقه و كفاحه و تفانيه قصة التعليم في الكويت بسطور من ذهب .

 

 

 

م. عدنان عبدالله عبداللطيف العثمان